2010/05/12
صوتها كان عميق .. ، و حروفها هادئة .. نظراتها ثاقبة ..، يتلاشى من تحدثه و يغرق في أعماقها ..
شخصية لها حضور طاغي و إن كان منفر ..
لم يعرف احد ما قصتها فجأة ظهرت و اشترت منزل .. ، و تابعها عيون الناس ..
كل شيء فيها أسود ..، عيناها .، شعرها ..، ملابسها و لولا بشرتها شديدة البياض لحسبتها كيان معتم ..
لديها كف رقيق دقيق و بشرة كالحليب .. ، و لكن بشكل ما ، نظراتها لم تكن مريحة كانت واثقة زيادة عما تتحمله النفوس ! ..
راقبتها بتمعن .. ، خطواتها الهادئة .. حديثها الخافت .. ، هالتها المعتمة .. ، كانت مغناطيس بشري يجذب الناس .. لكنها فقط قطب مخالف !
جَلست مرة في الحديقة .. ، و هي تستنشق دخان سجائرها .. و اقتربت مني ..
جلست بجانبي دون أي كلمة ...، تبادلنا النظرات للحظة ، فوجدتها تبتسم لي قائلة
- أثير فضولك أنا يا صغيرة ؟
رددت بدهشة
- ماذا ؟
ابتسمت بهدوء
- ستجدين أن كل ما في الحياة ما هو إلا أشكال مسرحية تخفي وراءها أسرار ليس بالجميلة عزيزتي ..
و اقتربت مني أكثر و همست في أذني ..
أتمنى أن نتبادل الحياة لتعرفي فقط !
و ابتعدت عني شيء بسيط و أمسكت خصلات شعري برقة و هي تقول بنبرة هادئة و واثقة ..
- ذاك جميل .. و أقصد اليوم .. مشمس و لكني لا اشعر بالدفء
نهضت و ابتعدت ..، و قلت في داخلي و أنا على يقين أنها امرأة مختلة ! ...
لذا أصبحت أراقبها .. و أتجنب أي محادثة معها ..
بالرغم من أني جميلة .. امتلك الشعر النحاسي المذهب و العينان الزيتونية البراقة و البشرة الخمرية المتوردة إلا أنها كانت تسرق الأضواء ليس مني فقط بل من جميع الفتيات ..
علمت عنها القليل كانت فنانة ترسم و تكتب الشعر ..، عمرها يقترب أو يبتعد قليلاً من الثلاثين ..
لها عاداتها الغريبة .. تقف في الأمطار و تنظر إلى المجهول بنظرات شاردة ..، تدخن بشراهة غريبة .. ، أحياناً تركض تاركة شعرها الطويل مبعثر .. ، كانت تفعل أي شيء يخطر على بالها .. مثال للتحرر من كل القيود ..
و الغريبة أن كلما التقت عيناي بعينيها تبتسم لي كأنها تعرف ما أفكر فيه ..
في يوم كنت امشي ببطء أفكر في مشاكل مع خطيبي و جدت من يمسك بيدي و يشدني إلى الظل .. ، لأجدها .. و لكن عيناها مضطربة .. و هناك شيء غريب في صوتها ..
نبرة جنون .. ، قالت بسرعة شديدة ..
- لا تهربي مني أنا اعرف انك تستغربين أفعالي ، ما أتعجب منه هو لمَ تخفين اشمئزازك مني ؟
رددت بصوت مصدوم .
- اشمئزاز ؟ ..، إنما هو تعجب ليس إلا و لكن و ماذا يُهمك في رأيّ ..، نحن لسنا أصدقاء و لا أعرفكِ حتى !
تلمست خصلات شعري كأني دمية قائلة
- يا صغيرة أنا أعرفكِ بل اعرف أدق تفاصيلك ..، اسمعي ، منذ اليوم سوف اريكِ عالم آخر إذا أردت ِ
- أنتِ مجنونة !
- ربما ..، لكنك سترين أن الجنون ممتع .، في عيناكِ الرغبة فلا تترددي
و تركتني ..
..
ارتجفت ..لم اصدق أنها قالت لي ذلك ..، كأنما يصارحك احدهم بأكثر أفكارك عمقاً و سواداً ..
في يوم كان الظلام حالك .. ، جلست هي في حديقة منزلها .. ، و عزفت لحناً جنائزياً ..، على أنغام الكمان .
لم أعرف ما الذي تفعله و لماذا تخيف الناس منها ؟ ..، و ما سر افتنان الرجال بها ؟!
في يوم كنت شاردة و انظر إلى مجهول ..، أصبحت شاردة طوال الوقت ..، حتى أني لاحظت أن هناك أشياء غريبة بدأت تطرأ علي ..
في ذلك الوقت .. ، رأيت بعين الخيال .. رؤية ربما ..، أو حلم يقظة لا أستطيع أن احدد ..
بعدها ..
ترجلت بسرعة إلى إحدى المحلات التي تبيع الأثواب ..، انتقيت ثوباً اسود ..، كان من فوق ضيق ثم ينزل منتفخ قليلاً .. ، ارتديته ..، وضعت هذا الكحل الأسود الثقيل في عيناي .. ، و تركت شعري هائج ..
لا .. لم أبدو جميلة .. فشعري الأشقر و عيناي الزيتونية لم تتماشى مع مظهر إلا أني ..
صرخت !
و أسرعت أعود إلى بساطتي و ملابسي الملونة العادية ..
لم اعد اعرف ماذا يحدث لي ..
رأيتها في تلك الحديقة .. و لكنها .و - مالذي يحدث هنا؟؟ - .. كانت ترتدي ملابس بيضاء ثقيلة .!
و رأتني فابتسمت برشاقة قائلة .،
- تبدين معتمة عزيزتي ما بال تلك النظرات الشاردة في عيناك ..
ضيقت عيناي و قلت لها بشك
- و لمَ أنتِ مشرقة هكذا ؟
ضحت و قال لي .
- إن الاستيلاء على روح مشرقة لممتع ،
اختفت بسمتها و أكملت
- أليس كذلك ؟؟
الحقيقة أن أطرافي تجمدت خوفاً ..، ركضت هاربة من تلك الساحرة ..، نعم ساحرة ! ..، لا بل شيطان ..
في المنزل في تلك الليلة ..، كان الجميع نائم و الجو هادئ و به نسمات برد طفيفة ..، شعرت بنيران تشتعل في جسدي ..
ذهب اغسل وجهي .. و عندما رأيت وجهي المبلل و شعري الملتصق على وجهي في المرآة ..
كنت غير واعية عما حولي ..
تحسست يداي شيء موضوع فوق الحوض كأنه وضع مخصوص لي ، مقص !
قصصت شعري و جعلته بالكاد يصل إلى أذني ، و ..
صبغته بالأسود !
الحالك !!
..
استيقظت في الصباح ، لم أكن أتذكر ما حدث البارحة كان كل شيء مشوش ..، غيرت ملابسي دون ان انظر في المرآة .. ، ترجلت إلى الشارع ، أرى العيون تنظر لي ..، تفترسني بلا رحمة ..، قابلت خطيبي ..
تخطاني ببساطة كأنه لم يعرفني ..، ركضت خلفه و لمست كتفه برفق .
استدار إلي و نظرة اندهاش في عيناه .، قال و هو يتفرسني كجميع الناس
- حسناً ...، هذا يليق بكِ بلا شك ، أصبحتِ فاتنة !
- ماذا ؟!
- هذا المظهر الجديد ، ما بكِ ؟
- أي مظهر تقصد ؟؟
- الشعر الأسود القصير ، يبرز عيناكِ بشدة
- ....
دارت الدنيا بي ..، كدت اسقط لولا انه سندني و أوصلني إلى المنزل ..
دخلت حجرتي .. كانت معتمة مع أني لا أحبها كذلك ..، فتحت النافذة لأسمح للشمس أن تدخل الغرفة إلا أن نفسي لم تطاوعني ..، و لاحظت تلك الستائر السميكة ..
متى علقتها ؟؟ كيف قصصت شعري الطويل الجميل ؟ بل و صبغته ؟ ..، من أنا ؟؟!!
لم أعد احتمل أصبحت غريبة ..، لاحظ الجميع تصرفاتي التي أصبحت مثيرة للشك ..، لم أعد احتمل ..، ذهبت لتلك المرأة
بل اقتحمت بيتها اقتحاماً ..، كانت تشرب الشاي بهدوء و .. ، و ...
و ........
كان شعرها أشقر ..، صبغته ..، و أصبحت ..،
عادية !!!
عندها انفجرت ..، صرخت بها و أنا اشعر بأن أعصابي تحترق ..
- ماذا فعلتي بي أيتها المشعوذة ؟
نظرت إلي بقلق و قالت
- لا شيء ..، ماذا تعنين ؟
صرخت بصوت أعلى ..
أنتِ تعرفين ..، أنتِ قلتها ..، لقد سرقتي روحي ..، أليس كذلك ، لا بل بادلتِ روحينا ، إن الشعور بالسواد مقيت
قالت بخوف في نبراتها
- أنتِ مجنونة أنا فقط بدلت من غرابتي ليس إلا ! ..، اخرجي من بيتي .. !
قلت لها و أنا لا أرى أمامي ..
- لا ! ، اعترفي بما اقترفته يا امرأة ، أعيدي ليَّ ما آخذتيه !
قالت بهلع تلك المرة و هي تراقب شيء في يدي ..
- أقسم لكِ كنت أخيفك قليلاً ..، و لكني تغيرت !
صحت بها
- نعم لأنك أخذتني !! ، تغيرتي لأنك لم تعودي أنتِ
و لكنها في هذا المرة لم ترد ..، لم ترد أبداً ، فقط شعرت بشيء ساخن يتناثر على وجهي ، بل كان دافئاً ..، و كان منعشاً !!
عرفت الآن مالذي كانت تراقبه في يداي ، عرفت الآن لماذا كانت خائفة ، عرفت و أنا ألمس ذاك السكين البارد الذي كان على المنضدة ، عرفت عندما وجدتها غارقة في الدماء
قلت بهدوء شديد
هي من دفعتني إلى ذلك ، و من ثم ضحكت بتلذذ
مسحت دمها من على وجهي و أنا أرى جمالها قد ذبل ، فلقد توقف قلبها ، و عرفت لما كانت كونتيسة الدماء تستمع بقتل الفتيات ،
مسحت دمائها من على وجهي و مشيت بخطى بطيئة إلى غرفتها ، انتقيت من خزانتها ثوباً أعجبني
ارتديْته..
و خرجت من المنزل و أنا في قمة النشوى ، و ابتعدت عن البلدة
لا أعرف هل هي حقاً بادلت روحينا ؟ ..، أم فقط أطلقت الشيطان الكامن في داخلي ؟
ههه ، اعتقد أنها ستعتذر عن الإجابة الآن ..
ابتعدت مع غروب الشمس و بسمتي المنتشية لا تزال مرسومة على شفتاي !!
Subscribe to:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات:
إرسال تعليق