2010/04/15


راقبت من خلف الزجاج ..، راقبتهم بتأني و هم يشربون تلك القهوة الغنية ..
رائحتها تزكم أنفها .. ، و من خلف الزجاج ..، ترى انعكاس وجهها ! ..



**

دائماً ما كانت تتوقف أمام ذلك المتجر الصغير الخاص بالقهوة و الذي كان أرقى متجر في الحي ..، رائحة القهوة ما أن مررت به حتى تلتصق بأنفك فلا تدعك تهرب منها ..

داخله ..، أرقى فئات الناس ..،بمعاطفهم ذات الفرو الناعم واصواتهم الهامسة.. وجيوبهم الدافئة



..

راقبتهم و هي في نفس الوقت ترى وجهها المنعكس ..، وجهها الذي غلبت عليه التجاعيدو معطفها الحقير ..، الذي به لمعة خفيفة تدل على انه نوع رديء .. ، تتنفس بعمق و هي تستنشق رائحة القهوة ..، لتستدير و تكمل طريقها مخترقة البرد ..

تتنهد .. بحسرة ! ..



بسرعة تدلف من ذلك الباب و أنغام الموسيقى تتعالى ..، الأضواء و المسرح يبدوان مشوشين لها ..

و هي تقف للحظة مشتتة ..، لم تستعد اتزانها بعد .. تجذبها يداً و صوت أنثوي حانق ...

(( يلا يا صفية أنتي لسه هتبحلقي ..، البسي البدلة و بسرعة )) .. ، تدلف إلى حجرة تغيير الملابس و تضع على جسدها ..، بدلة الرقص تلك ..، تلمع و تتوهج ..، و في المرآة تضع المساحيق بغزارة لتشبه تلك " العروس المولد " ..

تنظر إلى وجهها في المرآة لتجده جامداً ، بلا أي أحساس .. ،

صوت يهتف .. مرة أخرى

(( يلا يا صفية ..، مافيش وقت يا غندورة .. !! )) و في لحظة هاهي على المسرح و حولها العيون اللزجة المقتاتة ..، و تبدأ الموسيقى بالدق و تبدأ هي الرقص و ابتسامتها صنعتها بحنكة ..

..

تنتهي فقرتها..، تنتهي ابتسامتها و تجلس في غرفة تبديل الملابس شاردة ..

يلسعها البرد فترتدي مرة أخرى معطفها و تمسح المساحيق و ترحل من باب الملهى الخلفي ...



تذهب إلى بيتها ..، و تسمع و هي تدخل من بوابة البناية ..، (( مش هي دي الراقصة اللي بيقولوا عليها ..، عندك حق و الله دي عاملة زي الشياطين ..، اللهم أحفظنا )) ..، تستمع و تتوقف لحظة ثم تباشر بالصعود ..



ما أن تغلق باب شقتها ..، حتى تتذكر ..، لكم قرع ذلك الباب من رجال ..، بعضهم شرطة و الآخرون يريدون شيئاً ..، و بالرغم من أنها لم تفتح ذاك الباب قط لهم ..

إلا أنه مازال ملوث من دقاتهم ..

تضحك بهستريا ..، تحدث نفسها .. (( ما هو صح كده ..، واحدة أبوها طبال و أمها هربانة ..، و إخوتها مافيش واحدة فيهم عدله ..، هتطلع إيه ..، دكتورة ! )) و تقول آخر كلمة بصوتٍ عالٍ ..، و تضحك .

من ثم تبكي ..

و تقول

(( ..، لو كانت الأفلام بتحصل ..، و بيعرف الواحد يغير نفسه ..، مكنش ده كان الحال ..،)) ..، تمسح دموعها و تصمت لحظة ..

تنظر إلى حال شقتها و تدلف ..

ترتاح بانتظار الليل ..

**

نسمات الليل البارد توقظها ..، تفتح عيناها ببطء ..، لا تريد أن تنزل ..، شعور قاتل يصرخ لا تذهبي ..

لكنها تنتصب

و ترتدي ..، تضع الزينة ..، العطر الرخيص و المعطف ..، و تنزل الشارع الفقير ..، صوت كعب حذائها يتردد

و عيون تلاحقها

تختلف ..

بين لزجة ..، و بين ازدراء ..



كان تعبر من عند ذلك الكوبري (( الكورنيش )) ..، لسبب ما دقات قلبها تلاحقت انفاسها تسارعت ..

عيناها ملئتها الدموع ..، خوف بلا حدود ..، و في اللحظة التي تلت ذلك الإحساس شعرت به ..

شعرت به في ظهرها ..، ذلك النصل !

نصل مدية يضعه فتيان في ظهرها و تهديد خافت بصوتٍ ..، يشبه صوت من شرب لتوه مشروب روحي قوي .. لم تعرف ماذا تفعل ...، إن لم تتحرك ..، ستموت ..

و إن تحركت معهم .. ، ستموت أيضا ..، تسمع من خلفها ضحكة مجون

تقرر في لحظة ماهي فعالة تستدير بسرعة حتى تواجهه وجهه ..، ثم تدفعه و تركض .. تركض بأقصى سرعة ..

لكنها تعلم أنها محاولة بائسة و أنهم سوف يلحقون بها .. ، فتقف ..، و ببطء شديد تقف على حافة سور الكوبري و تبتسم .. و تغمض عيناها ..

تلقي بنفسها ..

و هي تشعر برائحة القهوة في انفها و معطف ثمين يدفئ ظهرها ..

وفي اللحظة التي اصطدم جسدها بالقاع توقفت عن التنفس !



تمت



6 التعليقات:

Anonymous يقول...

السلام عليكم ورحمة الله

اخيرا وصلت &_&

ارى تدوينة جديدة حسنا العنوان يشد بحق والمحتوى مؤلم ايضا اتعلمين ابتئس جدا من ذلك المثل "ليس في الامكان ابدع مما كان" لعل في هذه التدوينة تلميح حول هذا المعنى وانفر منه بشده لو كان على تلك الشاكله واعني بطلة القصة كان بامكانها ان تكون افضل حالا "إن الله لايغير مابقوم حتى يغيرو مابأنفسهم"
حسنا لعلك رميتي في قصتك إلى امر اخر ربما ماقد تتعرض له من امتهنت هذه المهنه لو اعتبرناها كذلك لن اعراضك في الامر حول هذا فقد يحدث هي اجبرت وهذا عملها رغم مقتها له ونظرة الناس لها واختلافهم في ذلك يبقى انها سلكت طريقا وسارت فيه لنهايه واعني النهاية التي وضعتها لها والتي ربما ليست اسوء لو سارت قدما في عملها ذلك ,,, خلاصة القول الفكرة شدتني بعنوانها ونهايتها معبرة حقا احييك على الطرح زمردة ^_^,,, دمتي برعاية الله ,,,ضي الغروب


اتمنى ان يصل التعليق سالما &_&

شئ ما يقول...

تعليق بسيط ولي عودة إن شاء الله .وهو تعليق سريع على جملة سريعة قيل ان لها علاقة بمضمون التدوينة . مقولة " ليس هناك أفضل مما كان " يمكنني ألا أظهر اتفاقي معها من البداية، لكن بتحوير بسيط في الزمن تصبح صحيحة، فحينما تقول : " ليس بالإمكان أفضل مما هو كائن " انت تعترف ضمنيا أن ما هو كائن هو ما أراده الخالق، وما اراده الخالق هو الأفضل، بالتالي تصبح المقولة بزمنها الجديد " مما هو كائن " صحيحة، وبما أن " ما هو كائن " يتحول إلى " ما كان " مع مرور الزمن، تصبح المقولة الأولى صحيحة هي الأخرى . ألا ترون ذلك معي ؟

أتمنى أن تكونوا قد فهمتم شيئا، إنها بعض تداعيات الأفكار عجزت عن كبحها خصوصا في هذه التدوينة .

هِيَ يقول...

ان رؤية الإنسان قاصرة ..
فالبطلة لم تصبر و لم تشعر بالأمل باليأس من حياتها
التي اصبحت لزجة ..، غير مُحتملة و ذلك الحادث دفعها للتحرر او هكذا تحسب ! ..

حالات تحدث بصورة شبه يومية مع اختلافات بسيطة الا انها تحدث و ما أنا الا ناقلة للصورة .. مع وضع بعض الرتوش :)


بإنتظار العودة :)

هِيَ يقول...

العزيزة ضي :

الواقع مؤلم ..، شَخصيات تولد دون هدف
دون رؤية و دون خلفية دينية على الأطلاق ! ..
فهي عاشت حياة و ماتت ميتة ..، و في الحالتين هي ليست بملاك !

الفرق هنا انها لم ترد تلك الحياة و لم تستكع الهروب منها هكذا على حسب تفكيرها ..

كما قلت مسبقاً تفكير الإنسان قاصر !

Echo يقول...

اكتر من رائعة ما شاء الله
انتى غيرتى اسم المدونة ليه وشكلها انا حاسة ان الاول كان احلى

هِيَ يقول...

احم ده من ذوقك بس :) ..
الصراحة انا كتبت بوست جديد شرحت فيه انا ليه غيرت استايل المدونة ..
يارب بردو تفضلي متابعة
..